الاثنين، 22 مايو 2017

إستفتاح:

باسم الله الرحمان الرحيم
1
إن الإسلام دين : دين لا مذهب فقط ، بل وهو دين لعدة مذاهب ..
 فلا التسلف وحده الإسلام كله ، ولا التصوف وحده كل الدين ، ولا التشيع ...
 فلكل مذهب تاريخه وجغرافيته ..
بل ولكل مذاهب الإسلام علاقات تتسع وتضيق مع القرآن الكريم ومع السنة الشريفة ..
وليس من العدل ولا من الحق أن يدعي أي مذهب تمثيله للإسلام كله، ولا تميزه وحده كممثل وحيد للسنة ....
2
فنحن كسنيين أهل كتاب وسنة ولسنا أهل حديث فقط ..
بل ولقد إنقسم أهل السنة والجماعة إلى مذهبين : السلفية السنية والصوفية السنية ...
وكما أن لكل من المذهبين حسناته التي لا تعد ، لكل من المذهبين أيضا  سيئاته التي يجب أن تحد ... فمن لا يؤخد كله لا يترك جله.
3
وكل الفارق :
أن باب السلفية الحديث النبوي الشريف وفقهاؤه أولا، بينما باب الصوفية فالذوق القلبي بسنة الإحسان على منهاج الولاية..
فقدوة السلفيين العلماء والفقهاء العاملين إن صدقوا..
بينما قدوة أهل التصوف فالأولياء قدس الله أسرارهم ما صدقوا..
4
وما دام أفق الأولياء ذو معارج: فإن فقههم إشاري وذوقي ولا يستصيغ للعامة ...
ولهذا يؤكدون بأن تربيتهم - وإن فتحت أبوابها للعامة - فهي للخاصة ، بل ولخاصة الخاصة ولأولي الألباب والحكماء أولا وأخيرا: 
(ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)
(وما يذكر إلا أولو الألباب)
5
ولكن وكما مست الإجتهادات الضالة بعض فرق التسلف مست أيضا العديد من طرق التصوف ، فبات من الضروري علينا النداء برجوع التسلف لصوفيته ورجوع الصوفية لتسلفها .. فالمذهبان لا يتناقضان مبدأ وعند أولي الألباب والراسخين في العلم..
6
بل ولقد كانت مساجدنا لا تفرق بين صوفي وسلفي ، فالكل كان سني ذاكر..
ولم تظهر هاته الفرقة بالمغرب إلا بعد فتح الأبواب للسلفية الوهابية التي لها ظروفها الخاصة في المشرق ، كما أن لها دواعيها لهذا الإنتشار السريع في المغرب..
7
ولكن المذهبان اليوم وللأسف في تناقض ظاهر وفي حرب شرسة وفي تناكر كبير إن لم يصغ السلفي الحق للصوفي الحق .. وإن لم يفهم الفقيه السني الولي المربي ..
فكل من المذهبين سني إن صدق العالم، وإن صدق الولي المرشد..
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) 
8
ولا نسعى من خلال هاته المقدمة لتبرير سنية التصوف وحججه من القرآن الكريم  والحديث الشريف ، بقدر ما نريد أن نفتح باب هذا الكتاب على إصلاحنا الصوفي الذي لن يكون حقا إسلاميا دون أن يكون سنيا سلفيا ...:
فالعمل السلفي فقط أساس المتصوف وإن كان يمثل كل أفق السلفي.
9
ولهذا نسعى من خلال معهدنا الإسلامي لفقه التصوف أن ننادي:
أولا : بتطبيب التصوف من كل الفلسفات الدخيلة ومن كل الشركيات وكل الشعوذات والقبوريات  ...و..
ثانيا : بتضييق الفجوة بين السلفية والتصوف كمذهبين سنيين أصيلين ..
خصوصا وأن بعض الدول الإسلامية جعلت أو ستجعل من التصوف مرتكز لكل سياساتها الدينية ..
وهذا جليل .. لكن لا حقيقة دون شريعة ولا تصوف سني دون فقه سلفي.:
10
إذ تسعى العديد من الأيادي البادية والخفية أن تباعد بين التصوف الحق وفقهه السني بدعوى اللاعقل والذوق والبدع والفلسفات المضلة ....
وهذا كان سيبقى يسيرا إن كان فرديا ..
وإن لم تكن هنا وهناك وهنالك ميزانيات فوق الخيال ترصد وسترصد لتجنيد المتصوفة ضد السلفية كما رصدت السلفية ضد التصوف تاريخيا...
11
لكننا متفائلون  وسيقى هناك أمل ما دام السلفيون :
أولا : متمسكين بظاهر فقههم دون خوض في ما لا يعلمون حتى لا ينطبق عليهم قوله تعالى ( بل كذبوا بما لم يحيطوا به علما)
ثانيا : قابلين للإختلاف وغير محتكرين لشعار (نحن وحدنا السنة).
ثالثا : منتقدين بأدب ودون خلاف لعورات التصوف التي صارت لا تعد ولا تحصى 
12
وسنظل متفائلين ما قبل الساهرون على الشأن الديني  في كل العالم نداءاتنا :
بوجوب تطبيب التصوف من كل الفلسفات الدخيلة ومن كل شعوذاته  بفقه العمل الصوفي الذي يجعل المتصوفة فعالين لا شطاحين :
 كما صارت معظم الزوايا وللأسف.
13
ولهذا وبعد 30 سنة من التصوف وبعد طواف روحي بكل الأحوال والمقامات ..
وبعد أن رسى قلبي في مقام البداية ، أجمل لكم تجربتي كسالك - خبير ولله الحمد - بكل مزاليق الحلول والإتحاد ووحدة الوجود الذي يحاول البعض نسف كل التصوف الإسلامي بفلسفاتها ، ولا يقبلها فقط كأحوال: لعلنا نؤكد أكثر سنية العقيدة الصوفية الحقة ..
14
فكل من أخذ بالحلول ووحدة الوجود أو الإتحاد على مادياتها وشكلياتها تزندق. 
15
فلا تصوف دون فناء على كل الشكل وعلى كل المادة ،
وإلا (فإلهك أنت) أو (الكون إلهك):
(سبحان الله عما يشركون)
16
فكيف يكون تصوفنا حقا سنيا ؟ بل وإسلاميا لا يهوديا ولا مسيحيا؟ ولا بوديا ولا .....؟ .
أو لنقل كيف تكون سلفيتنا صوفية؟ وحقا إسلامية وشاملة؟

1/ تجربتي الصوفية : بين نعم ولا :

البداية تصوف وفقهاء المسجد
الحوار في الثانوي
الإرتباك الفكري في الجامعة
السلفي المفكر والصوفي الهادئ
حال الفناء منذ الإنطلاق
المدارس المسيطرة
مدرسة الأنوار 
الواردات من\ الطفولة
الرؤى النبوية المتثالية
الرؤيتين النوريتين
تأسيس المعهد
التصوف إجتهاد إنسي جني: الحرب الصوفية
تجربتي الروحية : الموقع    الديوانين

2/ الحقيقة المحمدية والمطلق:

من أكبر كبائر التصوف الفلسفي أن الله تعالى لا يتجلى إلا في ذات من ذوات خلقه ، ولهذا يومن الكثير من المتصوفة بعقائد التصوفات الوضعية والكافرة ، بل ولقد رأوا بأن المجلى الذاتي لا يكون إلا بالواحدية لا الأحدية :
وهاته الواحدية لا تتجلى إلا بمقام وحقيقة محمد صلوات الله عليه حتى أله البعض محمدا نأليه النصارى لعيسى عليه السلام: فقالوا بأن الحقيقة المحمدية أو لتقل الواحدية هي تجلي الصفات والذات في مقامها هذا: وهذا ليس حالا ومقاما بل ذاتا وروحا : فيناقض هذا التوحيد الخالص الذي لا يفصل بين الأحدية والواحدية عقيدة توحيدنا لله ذاتا وصفاتا وأسماء : إذ الله أحد وواحد ولا يتجلى ذاتا إلا بذاته ... مهما غلب على الولي حال حبه..
فالفناء الحق فناء محبة لا بقاء ذات ...
وكل هذا كان لأن العديد من الفلاسفة حصروا ذات الله في المطلق بينما هو سبحانه وتعالى فوق كل مطلق ، ولا تحصره أية مقامات ، وفعالا هو لما يشاء: ( وهو على كل شيء قدير )
إذ يتجلى وينزل حتى السماء الدنيا بكل تعالي سبحانه..
بل وسيجيء إلى يوم القيامة : وجاء ربك والملك صفا صفا..
فلا ذات لله إلا ذاته ولا شريك ...
ولا يشفع لكل من إدعى كل هذا سوى غرقه في إسم الله تعالى لحد تجسيد الصفات إسما دون الذات العلية المتعالية أزلا وأبدا في أحديتها ، كما قال إبن عربي قدس الله سره : ( ولقد إدعوا أن لهم صفة من الذات وأنى لهم ذلك )..
وإليكم موجزا عن هاته الحقيقة المحمدية : 

الحقيقة المحمدية عند العارفين

قول الشّريف الجرجاني في كتاب " التعريفات " :
( الحقيقة المحمّدية  ) : هي الذّات مع التعيّن الأول ، وهو الاسم الأعظم ." اهـ  

وقال أيضاً في تعريف "الرّوح الأعظم " : الذي هو الرّوح الإنسانيّ ، مظهر الذّاتالإلهيّة من حيث ربوبيتها، ولذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رائم،ولا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه، وهو العقل الأول، والحقيقة المحمّديّة، والنّفس الواحدة، والحقيقة الأسمائيّة، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النّورانيّ، جوهريته مظهر الذّات، ونورانيته مظهر علمها.  اهـ
وقال سيّدي الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سرّه في " الفتوحات المكيّة " :
( الحقيقة المحمّدية  ): هي المفعول الإبداعي عندنا ، والعقل الأول عند غيرنا ، وهيالقلم الأعلى الذي أبدعه الله تعالى من غير شيء .
( الحقيقة المحمّدية  )هي القلم الإلهي الكاتب العلّام في الرّسلات ، وهي العقل الأول الفياض في الحكميات والأنباء ، والحق المخلوق به ، والعدل عند أهل اللّطائف والإشارات ، وهي الرّوح القدسيّ الكل ، عند أهل الكشوف والتّلويحات .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الوجود كله ، وإنّ النّـزول منها إليها وبها عليها ، وإنّ الحقيقة المحمّدية لها في كل شيء وجهان : وجه محمّدي ، ووجه أحمدي  ».
(الحقيقة المحمّدية ): هي قطب الأقطاب ، لأنّه القطب الذي تدور عليه حقائق الأقطاب كلّها ، من حيث أنّه مصدر كل شيء ، ومنبع كلّ علم ، وهو المفيض ، والممد لكل الأقطاب » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي المسماة بالعقل الأول ، وبالقلم الذي علم الله تعالى به الخلق كلّهم ، وبالحق الذي قامت السماوات والأرض ، وبالباء من حيث ظهور الأشياء عنها ، وأحسن هذه الأسماء هو : " الحقيقة المحمدية " ».
(الحقيقة المحمّدية ):هي المقصودة ، وإليه توجهت العناية الكلّية فهو عين الجمع الموجود ، والنسخة العظمى ، والمختصر الأشرف الأكمل في مبانيه ».
(الحقيقة المحمّدية ): هي صورة لاسم " الله " الجامع لجميع الأسماء الإلهية ، الذي منه الفيض على جميعها ، فهو تعالى ربه . فالحقيقة المحمدية التي تربّي ، تجمع صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها ، الذي هو ربّ الأرباب .
فبظاهرها تربّي ظاهر العالم ، وبباطنها ترب باطن العالم ، لأنه صاحب الاسم الأعظم ـأي المختص به ـ وله الربوبية المطلقة { الجمع المطلق } وهذه الربوبية إنّما له من جهة مرتبته ، لا من جهة بشريته فإنه من هذه الجهة عبدٌ مربوب : محتاجٌ إلى ربّه سبحانه وتعالى  .
وقال سيدي الشيخ محمود الآلوسي في تفسيره " روح المعاني ":
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الأول المشار إليه بباء الجر ، لأنّها الواسطة في الإضافة والإفاضة ، فناسبها الكسر وخفض الجناح ، ليتم الأمر ويظهر السر .. واكتفىبالرمز لعدم ظهور الآثار بعد ، وأول الغيث قطر ثمّ ينهمر ، وما من سورة إلا افتتحهاالرّب بالرّمز إلى حاله صلى الله عليه وسلّم تعظيماً له وبشارة لمن ألقى السّمع وهوشهيد.
ولمّا كان الجلال في سورة براءة ظاهراً ، ترك الإشارة بالبسملة ، وأتى بباء مفتوحة ،لتغير الحال وإرخاء الستر على عرائس الجمال ، ولم يترك سبحانه وتعالى الرّمز بالكلّيةإلى ( الحقيقة المحمّدية) ولا يسعنا الإفصاح بأكثر من هذا ، في هذا الباب ، خوفاً من قال أرباب الحجاب ، وخلفه سرّ جليل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السّبيل." اهـ
( الحقيقة المحمّدية  ): هي حقيقة الحقائق ، التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق ، وإنّها التّعيّن الأول ، وخازن السّر المقفل ، وإنّها .. وإنّها.. إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.
ويقول الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سرّه :
( الحقيقة المحمّدية  ):هي الصّورة الرحمانيّة ، الواجبة ، الممكنة ، القديمة ، الحادثة ، الفاعلة ، المنفعلة ، وهي حقيقة الحقائق الكلّيّة » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي حجاب العزّة ، وهي التّعيين الأول ، المسمى بالعماء ، والرّوح الكل ، والإنسان الكامل ، والثوب ، والرّداء ، وغير ذلك من الأسماء الكثيرة ، تعددت أسماؤه لتعدد وجوهه واعتباراته » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الذّات مع التـّعين الأول ، الذي ما اطلع عليه نبي مرسل ولا مـلك مقرب ؛ وقد ورد : ( لا يعلم حقيقتي غير ربي )  ».
( الحقيقة المحمّدية  ): برزخ البرازخ كلّها وجمعها » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي الظّل الأول المجمل ، وهي الوجود الإضافي المسمى "بنَفَس الرّحمن " ، والتّعيّن الأوّل ، والوحدة المطلقة .
(الحقيقة المحمّدية ):  هي القمر : الذي هو كناية عن المرتبة الثّانية [ بعد مرتبة الأحديّة ] ، والتّعيّن الأوّل  المسمى : بالرّوح الكلّيّ ، وبنَفَس الرّحمن ، وبالوجود الإضافي ، وبالوحدة المطلقة... وله أسماء كثيرة » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي عين الأشياء كلّها من حيث الماهيّة ، وهي غيرها من حيث الصّورة ، وذلك أنّ الحق سبحانه أفاض على أعيان المكونات نور الحقيقة المحمّديّة ، فظهرت بفيضها جميع المحسوسات » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي غاية مايصل إليه الكمّل ، وجميع ما تسمعه من تغزّلاتهم إنّما هو فيها ، فيسمونها بليلى وسلمى .. والرّاح والخمرة .. وغير ذلك » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الحق المخلوق به ، وهي الملك المسمّى بالرّوح ، ومن أسمائه : أمر الله ، وهو أشرف الموجودات ، وأعلاها مكانة ، وأسماها منـزلة .. » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي روح الأرواح ، وهي ( البشير النّذير ) الموجودة بجزئياتها في كل نبيّ ووليّ : بالعين والشّهود ، وفيما عدا هذين الوصفين : بالحكم والوجود  .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي أول مخلوق ، وكانت النسخة الإلهية ، صورة ومعنى » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي عبارة عن التّعيّن الأوّل ، وهو الوحدة » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي فـلك الولاية ، المعبّر عنها بقاب قوسين أو أدنى ، وبالعلم المطلق ، وبالشـأن الصّرف ، وبالعشق المجرد عن نسبة العاشق والمعشوق » .

ويقول الشيخ الفرغاني قدس الله سرّه  :
( الحقيقة المحمّدية  ): حقيقة الرّوح الأعظم وصورته ، صورة الحقيقة التي ظهر فيها بجميع أسمائها وصفاتها ، وسائر الأنبياء مظاهرها ، ببعض الأسماء والصفات تجلت في كل مظهر بصفة من صفاتها واسم من أسمائها ، إلى أن تجلت في المظهر المحمدي ، بذاتها وجميع صفاتها ، وختم به النبوة ، فكان صلى الله عليه وسلّم سابقا على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة ، متأخرا عنهم من حيث الصورة »

( الحقيقة المحمّدية  ): هي النّور المحمّدي الذي انبثق منه الكون ، وتجلى في آدم والأنبياء والرّسل ، وهو ( الإنسان الكامل ) ، والإنسان الكامل هو القطب » .

( الحقيقة المحمّدية  ): هي الذّات مع التّعين الأوّل ، فله الأسماء الحسنى كلّها ، وهو الإسم الأعظم »  .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الحقيقة المسماة بحقيقة الحقائق الشّاملة لها ، أي : للحقائق والسّارية بكليتها في كلّها ، سريان الكلّي في جزئياته ... وإنما كانت الحقيقة المحمّدية ، هي صورة لحقيقة الحقائق ، لأجل ثبوت الحقيقة المحمّدية ، في صفة الوسطيّة والبرزخية والعدالة ، بحيث لم يغلب عليه حكم اسمه أو وصفه أصلاً ، فكانت هذه البرزخية الوسيطة : هي عين النّور الأحمدي المشار إليه بـ  ( أول ما خلق الله نوري ) » .
( الحقيقة المحمّدية ): هي مظهر غاية الحضرات وانتهاء النّهايات ، من كونها  مظهر الأحدية ، وهي أنهى النّهايات وغاية الغايات ، إذ ليس فوقها إلا الغيب المطلق » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي غاية الغايات ، ويقال : نهاية النهايات ، ويعنى بذلك : باطن العوالم ، وهو مقام أو أدنى » .
(الحقيقة المحمّدية ): التي هي منصة التّعين الأول ، ومرآة الحق والحقيقة ».

( الحقيقة المحمّدية  ): هي الوحدة الحقيقية ، وقيل : الرّوح الأعظم ، وقيل : صورة الاسم الجامع الإلهي » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي أنّه  صلى الله عليه وسلّم هو مظهر الذّات ، وأنّ الظّاهر في حقيقته ليس إلا النّور الذّاتي ، لأنّ رتبته قبل رتبة الأسماء والصّفات ، إذ حقيقته برزخ مابين الأحدية والواحدية .
 والصّفات إنّما هي في الواحدية ، فالصّفات الإلهيّة كما هي حجب ذاته تعالى ، حجب الحقيقة المحمّدية أيضاً ، فالكشف عنها كالكشف عن أحدية الذّات ، المبطل للخصوصيات »  .    
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الإمكاني النّوري » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الأوّل الذي هو حضرة الإجمال ، والمسمى بالوحدة » .
( الحقيقة المحمّدية  ):  هي جامعة لجميع الحقائق ، ويقال لها : حقيقة الحقائق ، وحقائق الآخرين كالأجزاء لها » .

3/ الحلول والإتحاد والحلول الشعوري:

حينما ينطبق حديث الولاية على أي ولي قدس الله سره : (...... كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ....) يحس وكأن الله قد حل بذاته ما دام فانيا عن كل ذاته فإذا مر إلى مقام البقاء تأكد بأن هذا الحلول شعوري فقط لا ذاتي وبأنه فقط حال للأولياء لا مقاما :
إذن فالحلول عند صادقي الأولياء حال شعوري فقط :
وإليكم نبذة مختصرة عن هذا الحال الذي يجمع الإتحاد ووحدة الوجود معا :
وكلها أحوال معنوية فقط لا مقامات ذاتية ، والتي لا يفهمها إلا من جردها كلها عن الشكل والمادة والذوات بل وحتى عن لطائف روحه:
تعريف:
" الحلول " و " الاتحاد " - و يدخل فيه مصطلح " وحدة الوجود " - : 
هاتان اللفظتان تردان كثيراً في كتب العقائد ، وهما من المصطلحات الصوفية ، والباطنية ، كما أنهما تردان في كتب الأديان الباطلة ، كالبرهمية ، والبوذية ، وغيرهما .
1. " الحلول " : 
أ. معناه في الاصطلاح العام : أن يحل أحد الشيئين في الآخر .
وهو " حلول سَرَياني " ، و " حلول جواري " .
يقول الجرجاني رحمه الله : 
الحلول السرَياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد ، فيُسمَّى الساري حالاًّ ، والمسري فيه محلاًّ .
الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوز .
" التعريفات " ( ص 92 ) .
هذا هو الحلول : إثبات لوجودين ، وحلول أحدهما في الآخر .
ويراد منه باصطلاح القائلين به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .
ب. " أقسام الحلول " : 
ينقسم الحلول إلى قسمين :
1. حلول عام : هو اعتقاد أن الله تعالى قد حلَّ في كل شيء .
ولكن ذلك الحلول من قبيل حلول اللاهوت - أي : الإله الخالق - بالناسوت - أي : المخلوق - مع وجود التباين ، بمعنى : أنه ليس متحدّاً بمن حلَّ فيه ، بل هو في كل مكان مع الانفصال ، فهو إثبات لوجودين .
وهذا قول الجهمية ومن شاكلهم .
2. حلول خاص : وهو اعتقاد أن الله - جل وعلا - قد حلَّ في بعض مخلوقاته .
مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق .
وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى : أن اللاهوت - الله جل وعلا - حلَّ بالناسوت – عيسى عليه السلام - ، وأن عيسى عليه السلام كانت له طبيعتان : لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي ، وناسوتية عندما صلب .
وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة - كالنصيرية - أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب ، وأنه هو الإله ؛ حيث حلت فيه الألوهية ، وذلك من عقائدهم الأساسية .
2. " الاتحاد " : 
أ. معناه : كون الشيئين شيئاً واحداً .
قال الجرجاني رحمه الله : 
الاتحاد : امتزاج الشيئين ، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً .
" التعريفات " ( ص 9 ) .
ب. ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض مخلوقاته .
أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى .
ج. " أقسام الاتحاد " : 
" الاتحاد " ينقسم إلى قسمين :
1. الاتحاد العام - وهو ما يطلق عليه أيضاً : " وحدة الوجود " - : وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل .
بمعنى : أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها ، وهذا هو معنى " وحدة الوجود " ، والقائلون به يسمون " الاتحادية " ، أو " أهل وحدة الوجود " ، كابن الفارض ، وابن عربي ، وغيرهما .
2. الاتحاد الخاص : هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد ببعض المخلوقات دون بعض .
فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة ، فقالوا : إنه اتحد بالأنبياء ، أو الصالحين ، أو الفلاسفة ، أو غيرهم ، فصاروا هم عين وجود الله جل وعلا .
كقول بعض فرق النصارى : إن اللاهوت اتحد بالناسوت ، فصارا شيئاً واحداً ، وهذا بخلاف القائلين بالحلول ، فهم يرون أن له طبيعتين : لاهوتيةً وناسوتيةً .
فالاتحادية قالوا بواحد ، والحلولية قالوا باثنين .
د. " الفرق بين الحلول والاتحاد " : 
الفرق بينهما يتلخص فيما يلي :
1. أن الحلول إثبات لوجودين ، بخلاف الاتحاد فهو إثبات لوجود واحد .
2. أن الحلول يقبل الانفصال ، أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال .
هـ. " أمثلة يتبين بها الفرق بين الحلول والاتحاد " : 
هناك أمثلة كثيرة منها : 
أ. السُّكَّر إذا وضعته في الماء دون تحريك : فهو حلول ؛ لأنه ثَمَّ ذاتان ، أما إذا حركته فذاب في الماء : صار اتحاداً ؛ لأنه لا يقبل أن ينفصل مرة أخرى .
أما لو وضعت شيئاً آخر في الماء كأن تضع حصاة : فهذا يسمَّى حلولاً ، لا اتحاداً ؛ لأن الحصاة شيء ، والماء شيء آخر ، وهما قابلان للانفصال . 
و. " حكم هذه الاعتقادات وأيهما أشد " :
لا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد هو من أعظم الكفر والإلحاد - عياذاً بالله - .
ولكن الاتحاد أشد من الحلول ؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة ، بخلاف الحلول ، ثم إن القول بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته .
وبالجملة : فإن اعتقاد " الحلول والاتحاد " اعتقاد ظاهر البطلان ، وقد جاء الإسلام بمحوه من عقول الناس ؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب وفلسفات ووثنيات هندية ويونانية ويهودية ونصرانية وغيرها ، تقوم على الدجل ، والخرافة .
باختصار وتصرف من كتاب " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 42 – 47 ) .
والله أعلم .

الثلاثاء، 2 مايو 2017

4/ وحدة الوجود والإتحاد:


لا توافق تجربتي الصوفية تجربة إبن عربي قدس الله سره في وحدة الوجود الذي لا يزال يدعيها حتى فلاسفة الكفر ، وذلك من عدة وجوه:
1/ فإسم الله تعالى في علم الحروف يعني اللاه أي اللاهو ، إذن فكل ما يخطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، بينما إبن عربي يرى في خيالاته أنه هو هو بمعنى أن الهاء من إسم الله تساوي الهو،وبالتالي رأى بأن كل الصور النورية المتجلية له حاملة لأنوار الذات سبحانه وتعالى عن كل هذا علوا كبيرا ، وبالتالي فكل أنوار الكون المكنونة في الأشياء من أنوار الذات ، ومخلوقة وغير مخلوقة بينما الحق: (أن الخلق خلق والخالق غير مخلوق). وكأنه يقول ان روح الكون وكل أرواح المخلوقات هي ذات الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا...بل وقد قال الله تعالى : ( له ما في السماوات والأرض وما بينهما)  ولم يقل :  (هو ما في السماوات والأرض وما بينهما ) سبحانه.
2/ بوحدة الوجود هاته حاول الشيخ قدس الله سره أن يوحد بين كل التصوفات الفلسفية وتصوف الديانات الوضعية ، وفعلا لكل دين تصوفه ولكن الدين الباطل تصوفه باطل فلا تصوف بحق إلا التصوف الإسلامي ما حافظ على عقيدة التوحيد في ظاهرها السلفي أولا وأخيرا.
(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)..
فعقيدة الإسلام (لا إله إلا الله) لا (ما في الوجود إلا الله)..
 بل والله فوق الزمان وفوق المكان بل وفوق كل المطلق سبحانه وتعالى وهنا إختلفت تجربتي الصوفية عقيدة عن تجربته قدس الله سره...
3/ إيمانه بالتنزيه والتشبيه معا ظنا بأن صفات الخلق من صفات الخالق ، بل وما الوجود عنده  إلا تجلي وفيض من الذات في مقامات دنية سبحانه  وتعالى عن كل دنايانا ودنيوياتنا ، بينما أومن بالتنزيه وكالتشبيه لا التشبيه، فالوصف في الخلق ليس أبدا كصفة الخالق.
وبالتالي فكل ما يخطر ببالك: الله بخلاف ذلك.
4/ الخلق ليس فيضا ولا تجليا للذات العلية سبحان الله تعالى بل الخلق من الكلمة كن ، والسماوات والأرض من قوله تعالى ( أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) كما ثبت حتى فيزيائيا.
5/ عدم تفرقته بين تجلي صفات الذات في الخلق ، والتي ما هي إلا تجلي لصفات أفعال الذات .. وتجلي الذات.
حتى قال بأن الله العليم هو العلم والمعلوم لفنائه في إسم الله العليم قدس الله سره.
6/ فقال بالتشبيه : (ليس كمثله شيء) حتى قال عن هاته الآية بأن الله تعالى لم يقل ليس مثله شيء) بل قال كمثله فأكد الكمثل التي يشعر بها كل ولي حين البشرى بالحديث القدسي : ( .. كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ...)  
وبهذا أقول بالتنزيه المطلق دون أي تشبيه وما كالتشبيه إلا حال لا مقام قدس الله سر الشيخ الأكبر وغفر اللهم لنا وله. فتجلي الصفات في الأفعال ليست هي 
تجلي للذات
ولكل من يدعي هاته الوحدة إنطلاقا من قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض
وقوله تعالى : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ؟
نقول بأن نوره في الأرض هو تجلي أنوار صفاته في أفعاله لا أنوار ذاته:
ولا نور للمسلم نحو كل هاته الأنوار الربانية والإلهية العلية إلا بنور العلم ونور الإيمان وأنوار الخشوع التام لله سبحانه..
بل وما الظل الممدود حتى بمنهجيتهم هو ظل العرش فأول تجلي لله تعالى هو إستواؤه على العرش رحمانية .. 
وهذا الإستواء الرحماني على العرش هو المتجلي معنويا لا ذاتا في كل عوالم الخلق..
فكلنا اليوم في ظل العرش..
وفي القيامة سيبقى هذا الظل للمومنين فقط:
بينما للكافرين ظل جهنم : في ظل ذي ثلاث شعب : أعاذنا الله منها اللهم يا رب...
بل وإلى الذين يقولون بأنه واحد من كثرة نحذرهم من قوله تعالى :
 وجعلوا له من عباده جزءا..
فالله واحد أحد ولا يتجلى في أحديته وواحديته إلا هو سبحانه وتعالى بكل تسبيح.. وهو فوق الوجود والواجد لا الموجود ، وإلا فمن هو قبل الوجود سبحانه؟؟؟
ولكم موجزا شاملا عن هاته العقيدة الخطيرة والتي وللأسف أصبح بعض مثقفي زوايانا يدعون لها فلسفيا وعلى مادياتها وشكلياتها سبحان الله عما يفكون :
التعريف :

وحدة الوجود مذهب(*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة(*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.

والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:

إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
• ابن عربي 560هـ – 638هـ:

هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.

في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.

في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.

في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
• مذهبه في وحدة الوجود:

يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.

فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:

"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".

ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع

ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ

وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.

وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.

وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:

ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:

الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار

وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.

يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.

وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.

أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت

والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.

وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.

وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!

أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد

ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد

ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه

فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.

وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.

جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.

باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.

ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:

ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.

إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.

الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.

إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.

ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.

يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:

لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.

وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.

وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.

وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.

وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.

وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".

وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:

الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.

ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:

أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.

إستفتاح:

باسم الله الرحمان الرحيم 1 إن الإسلام دين : دين لا مذهب فقط ، بل وهو دين لعدة مذاهب ..  فلا التسلف وحده الإسلام كله ، ولا التصوف وح...